فصل: فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

.قال إلكيا هراسي:

سورة الطلاق:
قوله تعالى: {فطلِّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ}، الآية/ 1.
شرحنا معناه في سورة البقرة.
وزمان الطلاق المشروع المعلوم من هذه الآية زمان الطهر لا غير، لا جرم قال الشعبي: يجوز أن يطلقها في طهر مسها فيه.
وقوله تعالى: {لِعِدّتِهِنّ}.
يدل على أن الطهر إن جعل وقت الطلاق، فالثاني والأول والثالث سواء، وأن اللفظ عموم فيه.
وقد ظن قوم أنه لما قال: {لِعِدّتِهِنّ}، فينبغي أن ينتظم الكلام على العدة.
وهذا باطل، فإن فعل الطلاق من الزوج، إنما يتصور في سماعه، وإنما الشامل الحاوي وقت العدة والعدة وقت الطلاق.
قوله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتِهِنّ ولا يخْرُجْن}، الآية/ 1.
فيه دليل على وجوب السكنى لها ما دامت في العدة، فإن بيوتهن التي نهى الله تعالى عن إخراجهن منها، هي البيوت التي كانت تسكنها قبل الطلاق، فأمره بإقرارها في بيتها، ونسبه إليها بالسكنى كما قال: {وقرْن فِي بُيُوتِكُنّ}.
قوله تعالى: {إِلّا أنْ يأْتِين بِفاحِشةٍ مُبيِّنةٍ}، الآية/ 1.
فالفاحشة تحتمل البذاء، وتحتمل الزنا وتحتمل النشوز.
قوله تعالى: {وأشْهِدُوا ذويْ عدْلٍ مِنْكُمْ}، الآية/ 2.
يدل على الإشهاد، إلا أن الإشهاد لا يظهر انصرافه إلى الطلاق الذي يستحق الزوج به أبدا من غير حاجة إلى فترة، والرجعة هي التي إذا تأخرت إلى انقضاء العدة امتنعت.
فالظاهر رجوع قوله: {وأشْهِدُوا} إلى الرجعة لا إلى الطلاق.
قوله تعالى: {واللائِي يئِسْن مِن الْمحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتبْتُمْ}، الآية/ 4.
فدلت الآية على إثبات الإياس بعد ارتياب، فلا يجوز أن يكون قوله: {إِنِ ارْتبْتُمْ} إثبات حكم الإياس في أول الآية، فلا جرم اختلف أهل العلم في الريبة المذكورة في الآية، فروي أن أبي بن كعب قال: يا رسول الله، إن عددا من عدد النساء لم يذكر في الكتاب الصغار والكبار وذوات الأحمال أجلهن، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وأبان أن سبب نزول هذه الآية كان ارتيابهن في عددهن، صغير أو كبير من الصغار والكبار، فتقدير الكلام {واللائِي يئِسْن مِن الْمحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتبْتُمْ فعِدّتُهُنّ ثلاثةُ أشْهُرٍ}، الآية/ 4.
واختلف السلف في التي ترتفع حيضتها، فروى سعيد بن المسيب عن عمر أنه قال:
أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها، فإنه ينتظر بها تسعة أشهر، فإن استبان بها حمل فذاك، وإلا اعتدت بعد ستة أشهر بثلاثة أشهر.
وأمر ابن عباس بالتربص بستة أشهر وقال: تلك الريبة.
وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه:
التي ترتفع حيضتها تبقى إلى سن اليأس، ثم تعتد بثلاثة أشهر، وهو الحق، فإن الله تعالى جعل عدة الآيسة ثلاثة أشهر، والمرتابة ليست بآيسة.
قوله تعالى: {وأُولاتُ الْأحْمالِ أجلُهُنّ أنْ يضعْن حمْلهُنّ}، الآية/ 4.
ولم يختلف السلف والخلف في أن عدة المطلقة الحامل في أن تضع حملها..
واختلف السلف في عدة المتوفى عنها زوجها، وأنها تعتد بأقصى الأجلين أو بوضع الحمل:
فقال علي رضي الله عنه بأقصى الأجلين.
وقال عمر رضي الله عنه في نفر من الصحابة: إنها تعتد بوضع الحمل.
ولا شك أن قوله تعالى: {وأُولاتُ الْأحْمالِ}، معطوف على ذكر المطلقات، غير أنه عموم، وقد نزل بعد قوله تعالى: {والّذِين يُتوفّوْن مِنْكُمْ} على ما قال ابن مسعود، وأنه قال: من شاء لاعنته، ما نزلت: {وأُولاتُ الْأحْمالِ أجلُهُنّ}، إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها.. فكان قوله: {والّذِين يُتوفّوْن} عام في كل من يتوفى عنها زوجها، وقوله: {وأُولاتُ الْأحْمالِ}، عموم ورد بعده.. ولا دليل من الأول على تخصيص الثاني، فوجب اعتبار المتأخر.
قوله تعالى: {وإِنْ كُنّ أُولاتِ حمْلٍ فأنْفِقُوا عليْهِنّ حتّى يضعْن حمْلهُنّ}، الآية/ 6.
يدل على أنه لا نفقة للحامل.
نعم قوله: {وإِنْ كُنّ أُولاتِ حمْلٍ}، وإن عم الرجعية والبائنة، وللرجعية النفقة في عموم الأحوال، فذلك خرج بدليل الإجماع، وبقي ما عداه على موجب المفهوم من الآية، ويزيده تأكيد أنه أطلق السكنى، وقيد النفقة، فلو كان الحكم فيها سواء لم يكن لذلك معنى.
قوله تعالى: {فإِنْ أرْضعْن لكُمْ فآتُوهُنّ أُجُورهُنّ}، الآية/ 6.
دلت الآية على أحكام:
منها إذا أرضعت بأن ترضعه بأجر مثلها، لم يكن للأب أن يسترضع غيرها بمثل ذلك الأجر.
ويدل على أن الأم أحق بحضانة الولد.
ويدل على أن الأجرة إنما تستحق بالفراغ من العمل، وإن احتمل أن يراد به غير ذلك.
قوله تعالى: {وإِنْ تعاسرْتُمْ فستُرْضِعُ لهُ أُخْرى}.
وقوله: {لِيُنْفِقْ ذُو سعةٍ مِنْ سعتِهِ}، الآية/ 7.
يدل على أن النفقة تختلف باختلاف أحوال الزوج في يساره وإعساره، وأن نفقة المعسر أقل من نفقة الموسر خلافا لأبي حنيفة، فإنه اعتبر كفايتها.
قوله تعالى: {لا يُكلِّفُ الله نفْسا إِلّا ما آتاها}، الآية/ 7.
فيه دليل على أنه لا يجوز التفريق بين الزوج والمرأة، لعجزه عن نفقتها، لأن الله تعالى لم يوجب النفقة في هذه الحالة.
والذي يخالف هذا من أصحاب الشافعي يقول: إنما فرقنا بينهما لا لأنه ترك واجبا عليه في هذه الحالة من النفقة، ولكنه عجز عن الإمساك بالمعروف، فعليه التسريح بالإحسان، فإنه إذا صار لابد من أحدهما فمتى فات أحدهما تعين الثاني، ولا شك أن العاجز عن نفقة عبده أو أمته أو بهيمته لا يجب عليه نفقتها، لكن يجبر على بيع المملوك، كذلك هاهنا.
ولأجله ارتفع الحبس عنها في الدار، وإن لم تجب النفقة على ما ذكروه. اهـ.

.قال القنوجي:

سورة الطلاق:
إحدى واثنتا عشرة آية.
وهي مدنيّة، قال القرطبي: في قول الجميع.

.[الآية الأولى]:

{يا أيُّها النّبِيُّ إِذا طلّقْتُمُ النِّساء فطلِّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ وأحْصُوا الْعِدّة واتّقُوا الله ربّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتِهِنّ ولا يخْرُجْن إِلّا أنْ يأْتِين بِفاحِشةٍ مُبيِّنةٍ وتِلْك حُدُودُ الله ومنْ يتعدّ حُدُود الله فقدْ ظلم نفْسهُ لا تدْرِي لعلّ الله يُحْدِثُ بعْد ذلِك أمْرا (1)}.
{يا أيُّها النّبِيُّ إِذا طلّقْتُمُ النِّساء}: نادى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أولا تشريفا له ثم خاطبه مع أمته، أو الخطاب له خاصة والجمع للتعظيم، وأمته أسوته في ذلك. والمعنى إذا أردتم تطليقهن وعزمتم عليه.
{فطلِّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ}: أي مستقبلات لعدتهن، أو في قبل عدتهن، أو لقبل عدتهن، أو لزمان عدتهن وهو الطهر.
والمراد أن تطلقوهن في طهر لم يقع فيه جماع ثم يتركن حتى تنقضي عدتهن فإذا طلقتموهن هكذا فقد طلقتموهن لعدتهن.
{وأحْصُوا الْعِدّة}: أي احفظوها واحفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق حتى تتم العدة وهي ثلاثة قروء، والخطاب للأزواج، وقيل: للزوجات، وقيل: للمسلمين على العموم. والأول أولى لأن الضمائر كلها لهم.
{واتّقُوا الله ربّكُمْ}: فلا تعصوه فيما أمركم ولا تضاروهن.
{لا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتِهِنّ}: أي التي كن فيها عند الطلاق ما دمن في العدة، وأضاف البيوت إليهن مع كونها لأزواجهن لتأكيد النهي وبيان كمال استحقاقهن للسكنى في مدة العدة، ومثله: {واذْكُرْن ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنّ} [الأحزاب: 34]، وقوله: {وقرْن فِي بُيُوتِكُنّ} [الأحزاب: 33].
ثم لما نهى الأزواج عن إخراجهن من البيوت التي وقع الطلاق وهن فيها، نهى الزوجات عن الخروج أيضا فقال: {ولا يخْرُجْن}: أي من تلك البيوت ما دمن في العدة إلا لأمر ضروري وقيل: المراد لا يخرجن من أنفسهن إلا إذا أذن الأزواج لهن، فلا بأس، والأول أولى.
{إِلّا أنْ يأْتِين بِفاحِشةٍ مُبيِّنةٍ}: فهذا الاستثناء هو من الجملة الأولى، أي {لا تخرجوهن من بيوتهن}، لا من الجملة الثانية.
قال الواحدي: أكثر المفسرين على أن المراد بالفاحشة هنا الزنا، وذلك أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها.
وقال الشافعي وغيره: هي البذاء في اللسان والاستطالة به على من هو ساكن معها في ذلك البيت.
ويؤيد هذا ما قال عكرمة: إن في مصحف أبيّ: {إلّا أن يفحشن عليكم} وقيل: المعنى إلا أن يخرجن تعديا، فإن خروجهن على هذا الوجه فاحشة، وهو بعيد.
{وتِلْك حُدُودُ الله}: يعني أن هذه الأحكام التي بينها لعباده هي حدوده التي حددها لهم ليس لأحد أن يتجاوزها إلى غيرها.
{ومنْ يتعدّ حُدُود الله}: أي يتجاوزها إلى غيرها أو يحل شيئا منها.
{فقدْ ظلم نفْسهُ}: بإيرادها موارد الهلاك وأوقعها في مواقع الضرر، بعقوبة الله له على مجاوزته لحدوده وتعديه لرسمه.
{لا تدْرِي لعلّ الله يُحْدِثُ بعْد ذلِك أمْرا} قال القرطبي: قال جميع المفسرين أراد بالأمر هنا الرغبة في الرجعة، والمعنى التحريض على الطلاق الواحدة، والنهي عن الثلاث. فإنه إذا طلق ثلاثا أضر بنفسه عند الندم على الفراق والرغبة في الارتجاع، فلا يجد إلى المراجعة سبيلا.
وقال مقاتل: بعد ذلك، أي بعد طلقة أو طلقتين أمرا بالمراجعة.
قال الواحدي: الأمر الذي يحدث أن يوقع في قلب الرجل المحبة لرجعتها بعد الطلقة والطلقتين.
قال الزجاج: وإذا طلقها ثلاثا في وقت واحد؟! فلا معنى لقوله: لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

.[الآيتان: الثانية والثالثة]:

{فإِذا بلغْن أجلهُنّ فأمْسِكُوهُنّ بِمعْرُوفٍ أوْ فارِقُوهُنّ بِمعْرُوفٍ وأشْهِدُوا ذويْ عدْلٍ مِنْكُمْ وأقِيمُوا الشّهادة لله ذلِكُمْ يُوعظُ بِهِ منْ كان يُؤْمِنُ بِالله والْيوْمِ الْآخِرِ ومنْ يتّقِ الله يجْعلْ لهُ مخْرجا (2) ويرْزُقْهُ مِنْ حيْثُ لا يحْتسِبُ ومنْ يتوكّلْ على الله فهُو حسْبُهُ إِنّ الله بالِغُ أمْرِهِ قدْ جعل الله لِكُلِّ شيْءٍ قدْرا (3)}.
{فإِذا بلغْن أجلهُنّ}: أي قاربن انقضاء أجل العدة.
{فأمْسِكُوهُنّ بِمعْرُوفٍ}: أي راجعوهن بحسن معاشرة ورغبة فيهن من غير قصد إلى مضارة لهن.
{أوْ فارِقُوهُنّ بِمعْرُوفٍ}: أي اتركوهنّ حتى تنقضي عدتهنّ، فيملكن نفوسهن مع بقائهن بما هو لهن عليكم من الحقوق وترك المضارة لهن.
{وأشْهِدُوا ذويْ عدْلٍ مِنْكُمْ}: على الرجعة، وقيل: على الطلاق، وقيل: عليهما قطعا للتنازع وحسما لمادة الخصومة. والأمر للندب كما في قوله: {وأشْهِدُوا إِذا تبايعْتُمْ} [البقرة: 282]
وقيل: إنه للوجوب. وإليه ذهب الشافعي.
قال: الإشهاد واجب للرجعة مندوب إليه في الفرقة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل، وفي قول للشافعي: إن الرجعة لا تفتقر إلى الإشهاد كسائر الحقوق. وروي نحو هذا عن أبي حنيفة وأحمد.
{وأقِيمُوا الشّهادة لله}: هذا أمر للشهود بأن يأتوا بما شهدوا به تقربا إلى الله.
وقيل: الأمر للأزواج بأن يقيموا الشهادة عند الرجعة فيكون قوله: {وأشْهِدُوا ذويْ عدْلٍ مِنْكُمْ} أمرا بنفس الإشهاد، ويكون قوله: {وأقِيمُوا الشّهادة}، أمرا بأن تكون خالصة لله.
{ذلِكُمْ}: أي ما تقدم من الأمر بالإشهاد وإقامة الشهادة.
{يُوعظُ بِهِ منْ كان يُؤْمِنُ}: وخص المؤمن.
{بِالله والْيوْمِ الْآخِرِ} لأنه المنتفع بذلك دون غيره.
{ومنْ يتّقِ الله يجْعلْ لهُ مخْرجا} مما وقع فيه من الشدائد والمحن.
{ويرْزُقْهُ مِنْ حيْثُ لا يحْتسِبُ} أي من وجه لا يخطر بباله ولا يكون في حسابه.
قال الشعبي والضحاك: هذا في الطلاق خاصة، أي من طلق كما أمر الله يكن له مخرج في الرجعة في العدة وأنه يكون كأحد الخطاب بعد العدة.
قال الكلبي: {ومن يتق الله} بالصبر عند المصيبة {يجعل له مخرجا} من النار إلى الجنة.
وقال الحسن: مخرجا مما نهى الله عنه.
وقال أبو العالية: مخرجا من كل شيء ضاق على الناس.
وقال الحسين بن الفضل: {ومن يتق الله} في أداء الفرائض {يجعل له مخرجا} من العقوبة، ويرزقه الثواب {من حيث لا يحتسب}، أي يبارك له فيما آتاه.
وقال سهل بن عبد الله: {ومن يتق الله} في اتباع السنة {يجعل له مخرجا} من عقوبة أهل البدع، ويرزقه الجنة {من حيث لا يحتسب}، وقيل غير ذلك.
وظاهر الآية العموم، ولا وجه للتخصيص بنوع خاص، ويدخل ما فيه السياق دخولا أوليا.
{ومنْ يتوكّلْ على الله فهُو حسْبُهُ}: أي ومن يثق بالله فيما نابه كفاه ما أهمه.
{إِنّ الله بالِغُ أمْرِهِ}: أي بالغ ما يريده من الأمر، لا يفوته شيء ولا يعجزه مطلوب، أو نافذ أمره لا يرده شيء.
{قدْ جعل الله لِكُلِّ شيْءٍ قدْرا}: أي تقديرا وتوقيتا أو مقدارا، فقد جعل الله سبحانه للشدة أجلا تنتهي إليه وللرخاء أجلا ينتهي إليه.
وقال السدي: هو قد الحيض والعدة.